نظّمت الأكاديمية البرلمانية لمجلس نواب الشعب، اليوم الإثنين 13 ماي 2024 بمبادرة من لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعيّة وذوي الإعاقة يوما دراسيا برلمانيا حول” مقترح القانون الأساسي المتعلّق بحقوق المرضى والمسؤوليّة الطبيّة “، أشرف عليه السيد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب، وحضره نائبا رئيس المجلس، ورئيس لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعيّة وذوي الإعاقة، وعدد هام من النواب والضيوف من وزارة الصحة والمجلس الوطني لعمادة الأطباء، والمجلس الوطني لعمادة أطبّاء الأسنان، والجامعة التونسية لهيئة الصيادلة، والجامعة التونسية لشركات التأمين.
وبيّن السيد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب في مفتتح الأشغال أنّ هذا اليوم الدراسي يندرج في سياق منهجية العمل التي أقرّها مكتب المجلس والمتعلّقة بتعميق النّظر في المبادرات التشريعية والتباحث في محاورها وفلسفتها وأهدافها مع الكفاءات الوطنية في فضاء الاكاديمية البرلمانية. وأضاف أن هذه المنهجية المتوخّاة ترمي إلى تعصير العمل البرلماني وتطويره بما يستجيب لطموحات المواطن وانتظاراته ويرجع ثقته في المؤسسة البرلمانية.
وأكّد رئيس مجلس نواب الشعب من جهة أخرى الأهمية التي يكتسيها مقترح القانون الأساسي المتعلّق بحقوق المرضى والمسؤوليّة الطبيّة، منوّها بالعمل المثمر الذي قامت به لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعيّة وذوي الإعاقة، التي بذلت كل الجهود لدراسته واستمعت في شأنه الى مختلف الأطراف المعنية، وأعدّت تقريها بشأنه.
كما بيّن أن قانون المسؤولية الطبية مطروح منذ سنوات في العديد من المؤسسات والمنظمات والهياكل المهنية على غرار الهيئة الوطنية للمحامين، التي تولّت النّظر فيه وفي متطلّبات تغييره. وأكّد أن تأخّر سنّ هذا القانون يحمّل مجلس نواب الشعب مسؤولية كبرى بالنظر الى وظيفته التشريعية.
وبيّن السيد نبيه ثابت رئيس لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعيّة وذوي الإعاقة في كلمته أن إعداد مقترح هذا القانون يتنزّل في إطار العمل على إيجاد إطار جامع لحقوق المنتفعين بالخدمات الصحية باعتبارها مسألة حقوقية أولية من ناحية، ولسدّ الفراغ التشريعي في مادّة المسؤولية الطبية من ناحية ثانية.
وأكّد أن الخدمات الطبية على تنوّعها لا تخلو من مخاطر مهنية يتطلب تحديد المسؤولية المترتبة عنها نصوصا قانونية تكفل للطبيب الحق في ممارسة مهنته في مناخ من الثقة والاجتهاد وتوفر إطارا من الوضوح لجميع مهنيي الصحة خلال مباشرتهم لأعمالهم، كما تضمن للمريض الحق في الحصول على تعويض عادل في حال تعرضه إلى خطإ طبي أو إهمال أو تقصير بطريقة منصفة.
وبيّن أن مقترح القانون المعروض أقرّ الحقوق الأساسيّة للمنتفعين بالخدمات الصحية والمتمثّلة خاصّة في حقهم في الصحّة وضمان سلامتهم وحرمتهم الجسديّة وكذلك حماية معطياتهم الشخصيّة وحقّهم في الإعلام وضرورة الحصول على موافقتهم المسبقة على تلقّي العلاج، إضافة إلى حقّهم في التعويض وإرساء آليّات للوقاية من المخاطر والأضرار المرتبطة بالعلاج، والّتي هي بمثابة التزامات محمولة على مهنيي الصحّة والهياكل والمؤسّسات الصحيّة.
وأضاف ان المقترح أقرّ كذلك الواجبات المحمولة على المنتفعين بالخدمات الصحية منها واجب التقيد بالتشريعات والتراتيب الجاري بها العمل للحفاظ على سلامة الافراد والمعدات ضمانا لاستدامة النظام الصحي وسلامة المبادئ التي يقوم عليها.
وبيّن رئيس لجنة الصحة أنّ الإطار القانوني المنطبق حاليّا في مادّة المسؤوليّة الطبيّة المدنيّة لا يكرّس قاعدة المساواة في التعويض عن الأضرار العلاجية سواء بين القطاعين العام والخاص أو داخل كلّ قطاع في حدّ ذاته، مؤكّدا غياب نظام قانوني خاصّ بالمسؤوليّة الطبيّة يحدّدها ويعرّف المفاهيم الأساسيّة على غرار الخطأ الطبيّ والحادث الطبي. وأضاف أنّ المسار القانوني المتاح حاليّا أمام المتقاضي للحصول على التعويض في صورة إقرار مسؤوليّة مهنيي الصحّة أو مسؤوليّة المؤسسّات الصحيّة هو مسار معقّد ومتشعب ويستغرق عدّة سنوات للفصل فيه وهو ما يثقل كاهل المريض المتضرّر.
وأشار من جهة أخرى الى أنّ تطبيق أحكام المجلّة الجزائيّة على مهنيي الصحّة دون ملاءمتها مع طبيعة وخصوصيّات الأعمال المهنيّة للأطبّاء وغيرهم من مهنيي الصحّة، أدّى ولا يزال إلى تنامي ما يعرف بظاهرة الطب الدفاعي. وبيّن أنّ التوسّع في قاعدة التجريم في المجال الطبّي كما تعكسه صياغة الفصلين 217 و225 من المجلّة الجزائيّة في علاقة بالقتل أو الجرح على وجه الخطأ “الواقع أو المتسبّب عن قصور أو عدم احتياط أو إهمال أو عدم تنبّه أو عدم مراعاة القوانين”، هي صيغة عامّة ويمكن أن تنسحب على أي عمل يقوم به مهني الصحّة ولو لم يثبت في جانبه أي تقصير من الوجهة الفنّية، وهو ما يستدعي إعادة النّظر في شروط تطبيق الفصلين المذكورين من خلال الأخذ بعين الاعتبار خصوصيّة الأعمال الّتي يؤدّيها مهنيّو الصحّة والّتي تعدّ أعمال خطرة بطبيعتها.
وبيّن رئيس لجنة الصحّة انه تمّ إعداد مقترح القانون المعروض بالاستئناس بالتّجارب المقارنة على مستوى عدد من البلدان التي أرست أنظمة قانونيّة للمسؤولية الطبية وللتعويض عن الأضرار العلاجية من خلال مؤسسات تأمين أو صناديق عامة أو خاصة أو مشتركة توكل لها مهمّة التعويض عن تلك الأضرار. وأضاف انه تمّ من خلاله العمل على وضع منظومة مؤسّساتيّة تعنى بسلامة المرضى من خلال إقرار آليات للوقاية والمراقبة لضمان جودة الخدمة الصحيّة والحدّ من المخاطر المرتبطة بالعلاج وبالتّالي تقليص نفقات العلاج غير الضروريّة، إضافة الى وضع إطار للمسؤولية المدنية الطبية يقوم على أساس المسؤولية الموضوعية. وبيّن أن المقترح يكفل للمتضرّرين من الأخطاء الطبية والحوادث الطبية التعويض الكامل لما لحقهم من أضرار وفقا لمبادئ العدالة والانصاف التي حرص فقه القضاء على تكريسها. كما يهدف إلى ضمان حقهم الدستوري في اللجوء إلى القضاء لطلب التعويض في صورة عدم التوصل إلى التسوية الرضائية.
وخلال النقاش العام، قدّم الضيوف الحاضرون من ممثلي وزارة الصحة وعمادة الأطباء والجامعة التونسية لشركات التامين والجامعة التونسية لهيئة الصيادلة وعمادة أطباء الاسنان، ملاحظاتهم حول مقترح القانون الأساسي المتعلق بحقوق المرضى والمسؤولية الطبية، مثمّنين المجهودات التي قامت بها اللجنة لا سيما بعد عقدها لقرابة 17 جلسة للاستماع والانفتاح على مختلف الأطراف المتدخّلة من أجل تجويد المبادرة.
وأجمع الضيوف على حاجة مهني الصحة الأكيدة إلى هذا القانون، حيث تمحورت تدخّلاتهم حول فلسفة المقترح وأهمية التنصيص الجيد على خصوصية العمل الطبي والانتباه الى معاني المفردات، لا سيما منها تعريف “الخطأ الطبي” و” الإهمال الجسيم” و”المسؤولية الجزائية”، مقترحين التنصيص صراحة على أنّ ” المسؤولية الجزائية أساسها الإهمال الجسيم ” لتجنّب التلاعب بروح القانون.
كما تطرّق ممثّلو القطاع إلى عمليات التعويض، مقترحين مزيد توضيح آلياتها صلب مقترح القانون. وأبرزوا أهمية إضافة باب يخصّ الحوادث الطبية دون أخطاء، وأكّدوا أهمية التنصيص على مسؤولية الدولة في التعويض، فصلا عن إضافة باب يخص احلال شركات التأمين في التعويض محلّ مهني الصحة.
وأشار المتدخلون إلى أنّ مهني الصحّة مطالب ببذل عناية لا بتحقيق نتيجة، وعليه لا يمكن ضمان انعدام مخاطر أي تدخّل طبي. واستعرضوا بعض المظالم التي تعرّض لها الأطبّاء وانتهكت حقوقهم وتمّ تحميلهم أخطاء خارجة عن مسؤولياتهم، مشدّدين على أهمية التنصيص على مسار التسوية الرضائية و مدى اجباريته مع أهمية ان يراعي هذا المسار خصوصية مهني الصحة وتوضيح المهمّة الصلحية لعمادة الاطباء . وأشاروا في هذا السياق الى خصوصية طبّ التجميل وضرورة العمل على توعية المواطن بأهمية التفريق بين المضاعفات و “الاثار الجانبية ” لا سيما أن هذا الطب شهد تطور ا ملحوظا في تونس.
وتطرّق المتدخّلون من جهة اخرى الى إشكاليات لجان الاختبار وعدم تواجدها في مختلف الجهات، داعين الى العمل على تكوين الخبراء خاصة في قطاع طب الاسنان الذي يمكن ان يشهد عديد الخروقات والأخطاء. كما أشاروا من جهة أخرى الى مسار التعويضات ، مؤكّدين أهمية التنصيص صلب القانون على الجهات المتحملة لمصاريف الفحوصات والجهة المعنية بالتعويض .
ودعوا في هذا السياق الى أهمية سن باب خاص في مقترح القانون يخصّ تشريك شركات التأمين مع تحديد ضوابط فنية يجب احترامها، مقدّمين جملة من المقترحات المتصلة بتكريس مبدأ الإلزامية مع الاقتصار على تغطية الخطأ الطبي وإقرار مقاييس واليات التعويض.
كما أقرّ الضيوف بوجود بعض الإشكاليات على المستوى الاتصالي بين المريض والاطار الطبي، مبرزين أهمية العمل على توعية المواطنين بحقوقهم وواجباتهم. وأشاروا الى أن مسالة تتبع المهنيين يجب أن تأخذ بعين الاعتبار نقص الإمكانيات، داعين الى أهمية ادراج مسالة الإمكانيات المتاحة والمؤهلات الطبية في مقترح القانون.
وأكّد النواب في تدخّلاتهم أهمية المقترحات والملاحظات التي قدّمها ممثلو قطاعات الطب والصيدلة والتأمين، مقترحين إدراجها ضمن مقترح القانون. وأبرزوا ضرورة التدقيق في عديد المسائل ولاسيما منها المتّصل بــ “الإهمال الجسيم ” وأسبابه وكيفية تقييمه، مع التنصيص على أنّ الممارسات التي يتعرّض لها المواطن في المستشفيات العمومية يجب أن تدخل في باب المسؤولية الطبية.
وأشاروا من جهة أخرى الى الإشكاليات التي يعاني منها القطاع الصحي ولا سيما المتصلة بوضعية الأطباء وظروف عملهم. وأكّدوا ضرورة توفّر المؤهلات الطبية، مع مزيد العناية بالكفاءة ودعم الخبرة، تجنّبا لحصول الأخطاء الطبية.
واعتبروا في ذات السياق أن مقترح هذا القانون سيحدّ من هجرة الأطباء ويعزز الكفاءات الطبية.
كما تطرّق النواب الى لجنة الخبراء والاختبارات التي تحسم في قضايا الأخطاء الطبية، داعين الى توسيع تركيبتها لتشمل طرفا ثالثا رقيبا يحمي المواطن . ودعوا الى إيلاء مزيد من العناية لموضوع توقيت انجاز التقارير الطبية والبحث تفاديا لانتهاك حقوق المتضرر والمتسبب في الضرر.
واجمع النواب على ان القانون يجب ان يستند الى معايير تشريعية واضحة لتحقيق النجاعة المطلوبة .
وفي ختام اليوم الدراسي ذكّر السيد إبراهيم بودربالة بمسؤولية جميع الأطراف في حماية المجتمع وتوعيته بحقوقه وواجباته، معتبرا ان المسؤولية هي ثقافة مجتمعية وأن تحقيق المصلحة العليا للوطن واسترداد ثقة المواطن في المؤسسة التشريعية هي التحدّي الأبرز
Post comments (0)