روت الباحثة الفرنسية – الإيرانية فاريبا عادلخاه التي أفرج عنها الشهر الماضي بعدما قضت أربع سنوات ونصف السنة معتقلة في إيران أنه منذ انطلاق حركة “امرأة حياة حرية” بات عديد من المعتقلات السياسيات في سجن إيوين في طهران يغنين معاً أحياناً كثيرة أناشيد ثورية.
ورأت الباحثة الفرنسية – الإيرانية رداً على أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية، أن الحركة الاحتجاجية التي قامت في سبتمبر (أيلول) 2022 إثر وفاة الشابة الإيرانية – الكردية مهسا أميني “بدلت المجتمع الإيراني، والسجون أيضاً”.
وتوفيت أميني في 16 سبتمبر 2022 عن 22 سنة بعد ثلاثة أيام على توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في طهران لعدم التزامها قواعد اللباس الصارمة في إيران. وأشعلت وفاتها موجة تظاهرات واسعة لم تشهد البلاد مثيلاً لها منذ أعوام طويلة، ورفع المحتجون شعار “زن، زندكى، آزادى” (امرأة، حياة، حرية).
وقتل المئات على هامش الاحتجاجات، بينهم عشرات من عناصر قوات الأمن، بينما تم توقيف الآلاف، وفق منظمات حقوقية. وأعلنت السلطة القضائية تنفيذ أحكام إعدام في حق سبعة من المدانين في قضايا متصلة بالتحركات.
وقالت عادلخاه (64 سنة) عالمة الأنثروبولوجيا المتخصصة في المذهب الشيعي، إن بين المعتقلات في قسم النساء في سجن إيوين ناشطات من أجل حقوق الانسان ومن أجل البيئة ونقابيات ومعارضات سياسيات وممثلات لأقليات دينية، لديهن في غالب الأحيان وجهات نظر متباينة، لكن “هذه القضية وحدتنا”، بحسب قولها.
وأوقفت الباحثة في 5 يونيو (حزيران) 2019 في مطار طهران، حيث كانت تنتظر وصول رفيقها رولان مارشال الذي كان يعتزم الانضمام إليها. وروت أن عناصر يرتدون ملابس أنيقة طلبوا منها “بكثير من الاحترام” مرافقتهم، وبعد بضع ساعات خضعت لأول استجواب ووجهها “مقابل جدار”.
وتلا ذلك جلسات استجواب عدة أكدت عادلخاه أنها لم تتعرض خلالها للضرب. وأضافت “أن يعمد المحققون إلى الضرب لانتزاع أجوبة أمر غالباً ما يحصل لدى الرجال، لكنني لم أسمع إطلاقاً خلال اعتقالي بحصوله حيال نساء”.
من جانبها، أفادت نرجس محمدي ، الحائزة جائزة نوبل للسلام عن تعرض النساء لعنف جنسي في السجون.
وقالت فاريبا عادلخاه في هذا الصدد إن “عدم حصول عنف جسدي لا يمنع الإذلال النفسي المتواصل”.
وحكم على الباحثة الفرنسية – الإيرانية بالسجن ست سنوات، خمس منها “للتآمر على الأمن القومي”، وسنة “لنشر الدعاية الكاذبة ضد الجمهورية الإسلامية”.
وأطلق سراحها في فبراير (شباط) الماضي، بموجب عفو صدر في حقها بعد قضائها أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة في السجن أو قيد الإقامة الجبرية تحت رقابة سوار إلكتروني. وبعد ثمانية أشهر من هذا القرار، أعادت لها طهران جواز سفرها مما سمح لها بالعودة إلى فرنسا.
أما الباحث المتخصص في أفريقيا رولان مارشال الذي أوقف في اليوم نفسه مثلها، فأطلق سراحه في مارس (آذار) 2020 في إطار عملية تبادل سجناء بين باريس وطهران.
وقالت عادلخاه مبتسمة “لا يسعني حتى الآن فهم ما كان المأخذ عليَّ”، بعد سنوات قضتها “خلف جدار” ونفذت خلالها إضراباً عن الطعام استمر 50 يوماً وخرجت منه منهكة.
واستخدمت باريس مراراً تعبير “رهائن دولة” لوصف وضعها مثل وضع فرنسيين آخرين تحتجزهم طهران.
وتقول الباحثة إنها التزمت في سياق عملها في إيران بـ”ثلاثة خطوط حمراء” هي “الثورة” و”الإسلام” و”وضع المرشد الأعلى”، وهي ثلاث مسائل بالغة الحساسية جعلتها عرضة لاتهامات بمهادنة طهران، وهو ما تنفيه، لكنها أشارت إلى أن “النظام يجرم أفعالاً غير إجرامية، وفي نهاية المطاف نصبح جميعنا في نظره معارضات”.
وروت أن شعار “امرأة حياة حرية” الذي أربك السلطات الإيرانية وصل إلى داخل السجن، حيث تكون النساء حاسرات عادة، غير أنهن ملزمات بوضع غطاء على رؤوسهن حين يدخل رجل إلى قسمهن أو عند نقلهن إلى المستشفى. وتذكر عادلخاه أنه بعد انطلاق الحراك “لم تعد أية امرأة تضع الحجاب” تقريباً عند دخول رجل.
وأفادت عائلة نرجس محمدي، أمس الجمعة، بأن سلطات السجون منعت نقل الناشطة والصحافية التي تعاني مشكلات في القلب والرئة إلى المستشفى بسبب رفضها وضع الحجاب.
وفي رسالة من السجن نشرت الثلاثاء الماضي على الموقع الرسمي لجائزة نوبل، وصفت محمدي الحجاب الإلزامي بأنه “المصدر الأساس للسيطرة والقمع في المجتمع، يهدف إلى الحفاظ على الحكومة الدينية المستبدة وضمان استمرارها”.
وأوقفت محمدي 13 مرة وحكم عليها في المجموع بالسجن 31 عاماً، وبـ154 جلدة، وهي الآن في السجن منذ عام 2021. وتقول عنها عادلخاه إنها جعلت من السجن “مساحة معركة واحتجاج بامتياز” تلقى فيها “آذاناً صاغية أكثر مما لو كانت في الخارج”.
وكانت عادلخاه لا تزال في إيران حين منحت جائزة نوبل للسلام لمحمدي في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهي تذكر “ابتسامات” على وجوه المارة في الشارع. وقالت “الآن حين تلتقي نساء لا يضعن الحجاب في الشارع، وهو ما لم يكن وارداً من قبل، يقلن بعضهن لبعض: كم أنت جميلة”.
وإن كانت التظاهرات الحاشدة تحت شعار “امرأة حياة حرية” باتت نادرة للغاية، فإن “الجمهورية الإسلامية مرغمة على التنازل في مسائل كثيرة” وفق قولها، سواء في شوارع إيران أو في سجونها.
وكالات
Post comments (0)