يحتفل التونسيون اليوم الأربعاء بالذكرى الـ68 لاستقلال البلاد عن المستعمر الفرنسي واستعادة سيادتها كاملة على أراضيها وخيراتها وخياراتها. وهي مناسبة لاستحضار بطولات الماضي ونضال الآباء والأجداد طيلة عقود في حرب استعمل فيها التونسيون كل الوسائل للتخلص من عدو دخل البلاد تحت عباءة الحماية لينهب خيراتها ويستولي على أراضيها ويتحكم في سكانها وينكل بهم.
وبدأ الاستعمار الفرنسي في عام 1881 بعد توقيع الباي محمد الصادق، آخر حكام الدولة الحسينية في تونس، معاهدة باردو مع الحكومة الفرنسية، ليستمر على مدى 75 عاما، أي إلى حدود عام 1956. وكان للنخب التونسية دور جوهري في مقاومة المستعمر، لاسيما من خلال العمل على صناعة رأي عام موحد ضد العدو، في مجتمع ارتفعت فيه نسب الأمية والجهل وانتشار منطق “العروشية” و”الجهويات”، إلى جانب مقاومة مسلحة واجهت تعنت المستعمر ورفضه لمطالب أصحاب الأرض بالمغادرة.
يقول أستاذ التاريخ السياسي المعاصر والراهن بجامعة منوبة، عبد اللطيف الحناشي، لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات)، إن كل فئات الشعب التونسي انخرطت في معركة التحرير بأشكال مختلفة، وكانت النخب الفكرية والسياسية تسعى لمقاومة المحتل بطرق سلمية، غير أن تطور الأوضاع وطنيا وإقليميا فرض في فترة ما دخول المقاومة المسلحة على الخط.
وأضاف أن النضال السلمي كان موجودا واستمر خاصة مع وجود حركة الشباب التونسي ثم عن طريق الحزب الحر الدستوري التونسي سنة 1920 ثم بروز الحزب الجديد أو الديوان السياسي بعد الانشقاق الذي حصل في 1934. وذكر أن هذه النضالات، إضافة إلى النضالات النقابية إلى حدود 1946، لم تطرح مطلب الاستقلال في البداية وإنما ” طرحت ضرورة أن تحسن إدارة الحماية الاستعمارية من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد التونسية”.
واعتبر الأستاذ الحناشي أن المنعرج في بروز مطلب الاستقلال كهدف ومقصد أساسي كان خلال مؤتمر الاستقلال في سنة 1946 عندما قررت الشخصيات المشاركة فيه، (من الحزب الحر الدستوري التونسي القديم والديوان السياسي والاتحاد العام التونسي للشغل والحركة الزيتونية والعديد من القضاة ومجموعة كبيرة تمثل النخبة التونسية)، الدفاع عن مطلب الاستقلال الذي أصبح هاجس الحركة الوطنية.
وأشار إلى أن خيار الحركة الوطنية في انتهاج النضال المسلّح العنيف ارتبط بوجود تحولات دولية كبرى بعد الحرب العالمية الثانية ونشأة منظمة الأمم المتحدة ومؤتمر سان فرانسيسكو 1945، الذي أكد على ضرورة تحرير الشعوب، ثم منح بريطانيا الاستقلال لعدد من مستعمراتها في آسيا خاصة واستقلال ليبيا سنة 1951 وصدور ميثاق حقوق الإنسان في 1948.
وأضاف في هذا السياق أن “تعنت الحركة الاستعمارية واستعمالها للعنف الشديد منذ 1952 كان السبب الرئيسي في التوجه نحو تنظيم مقاومة مسلحة لإجبار الاستعمار الفرنسي لتحقيق مطالب التونسيين”. واستمر الكفاح المسلح من 1952 إلى 1954 وشاركت فيه العديد من الأطراف، من بينها الاتحاد العام التونسي للشغل والحزب الحر الدستوري التونسي.
وقال أستاذ التاريخ السياسي المعاصر “إن مطلب الاستقلال تبلور بشكل كامل منذ 1946 وسعت الحركة الوطنية لتجسيده من خلال قنوات مختلفة”.
واعتبر أن هذا المطلب انطلق في فترة “متأخرة” في أدبيات الحركة الوطنية، التي حاولت تجسيده بطرق مختلفة منها السلمية ومنها العنيفة التي لم تكن خيارا استراتيجيا ولا إيديولوجيا، بل كانت توجها فرضه تعنت المستعمر واعتداءاته على الشعب التونسي.
وبين أن تونس كانت سباقة في اعتماد خيار المقاومة المسلحة، الذي ساعد وأثّر بشكل مباشر وغير مباشر وبتفاوت في العديد من التحولات، حتى على المستوى الإقليمي. وأكد على أن هذا النضال الذي انطلق في جانفي 1952 هو الذي فتح مجالا للعديد من الدول لاعتماد خيار المقاومة المسلحة في مواجهة المستعمر، من ذلك الثورة الجزائرية التي انطلقت في 1954 وما حدث في المغرب وكذلك في الثورة المصرية في جويلية 1952.
عبّر أستاذ التاريخ والمحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي عن “الأسف للمنحى الإيديولوجي” الذي اتخذته النقاشات في تونس بعد الثورة (2011) بشأن الاستقلال واعتبار البعض أنه “ليس هناك استقلال وليس هناك وثيقة للاستقلال”، مبرزا في هذا السياق أهمية دور المؤرخين في توضيح المسألة التي “أخذت طابعا إيديولوجيا وليس طابعا علميا”، وفق تعبيره.
وقال إنه “وقع إهمال الاحتفال بهذا التاريخ المهم جدا، وإن هناك قطاع هام قام بترذيل هذا الإنجاز الكبير واحتقاره، بل ومحاولة إلغائه تماما من الذاكرة، وهو أمر استمر لسنوات”. وبين أن الأهم من الاحتفال بهذا التاريخ هو استغلال المناسبة للتساؤل إن كان الاستقلال حقق الآمال والأهداف التي كانت مرتبطة به. ولاحظ أن ” الاستقلال ليس مجرد علم يرفرف وحدودا ترابية، بل هو خيارات اقتصادية واجتماعية ناجعة قادرة على تحقيق التنمية وعلى خلق رفاهية المجتمع وتحقيق المكاسب “.
وأضاف قوله ” إلى حدود الثمانينات تقريبا حققت دولة الاستقلال الكثير على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، لكن للأسف كل هذه الإنجازات تراجعت بشكل كبير “. وقال الأستاذ الحناشي “ينبغي أن تكون هذه المناسبة فرصة لتقييم الفترات الماضية تقييما صارما وإيجاد رؤية وطنية جديدة لتفادي كل الثغرات والعثرات من أجل بناء غد أفضل على أسس وطنية سليمة يكون هدفها رفاه المواطن في ظل دولة تعبر عن طموحاته”.
Post comments (0)