تختتم غدا السبت الحملة الانتخابية للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية والتي كانت انطلقت في 3 جويلة الجاري، بعد ان دارت في وتيرة وصفها المتابعون للشأن الانتخابي ب”الضعيفة” مقارنة بالاستحقاقات الانتخابية السابقة وشارك في الحملة 161 جهة من بينها جمعيات ومنظمات وأحزاب وأشخاص طبيعيين وسط مقاطعة سياسية ومدنية واسعة من أكبر الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان المجمدة أعماله، من انتماءات مختلفة وأبرز مكونات المجتمع المدني والمنظمات.
وانقسم المشهد السياسي إلى ثلاثة مواقف أولها شق مقاطع للاستفتاء بحجة أن المسار الذي أفضى إليه، هو مسار “انقلابي ولادستوري” وأن المشاركة فيه ولو بالتصويت ب”لا” على مشروع الدستور، ستضفي عليه الشرعية.أما الشق الثاني فهو يضم المشاركين الداعمين لمشروع الدستور والذين يقودون حملتهم الانتخابية لحشد الأصوات لفائدته على غرار حركة الشعب والتيار الشعبي، فيما يضم الشق الثالث المشاركين في الحملة للتحفيز على التصويت ضد المشروع و في مقدمتهم حزب آفاق تونس والاتحاد الشعبي الجمهوري والائتلاف الوطني التونسي .وتتصدر جبهة الخلاص قائمة المقاطعين للاستفتاء وهي تضم بالخصوص حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة وحراك “مواطنون ضد الانقلاب” وحركة أمل وحراك تونس الإرادة ، إلى جانب تنسيقية الأحزاب الديمقراطية التي تضم أحزاب التيار الديمقراطي والعمال والتكتل والقطب والجمهوري.
كما يعتبر الحزب الدستوري الحر من أبرز المقاطعين للاستفتاء، إذ أعلن في لائحته العامة أنه لن يعترف بمساره غير القانوني “الذي يرمي للسطو على إرادة التونسيين”.
وعبرت العديد من المنظمات والجمعيات عن رفضها لمشروع الدستور على الاستفتاء في نسخته الأولى المنشورة بالرائد الرسمي بتاريخ 30 جوان الماضي أو بعد ان تم ادخال تعديلات اوتنقيحات عليه في 8 جويلية. وأعلنت 35 جمعية ومنظمة في هذا السياق، من بينها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان ونقابة الصحفيين التونسيين وجمعية النساء الديمقراطيات، تجندها “للقيام بكل التحركات المشروعة لتحقيق إصلاحات دستورية تحترم كرامة التونسيات والتونسيين”.
وفي المقابل ساندت جمعيات أخرى مشروع الدستور الجديد ودعمته حيث سجلت أكثر من عشرين جمعية ضمن القائمة الداعمة للتصويت ب “نعم” على المشروع من مجموع المنظمات والجمعيات المشاركة في حملة الاستفتاء.
أما بالنسبة للمنظمات الوطنية فقد ترك الاتحاد العام التونسي للشغل الحرية لقواعده للتصويت بنعم أو بلا على مشروع الدستور ، فيما دعا الإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري إلى مشاركة واسعة في الاستفتاء باعتبارها “واجبا وطنيا”، دون تحديد الموقف من المشروع، في حين لم يعط الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية أية تعليمات حول التصويت..
وتيرة ضعيفة للحملة الانتخابية وتغطية إعلامية غير متوازنة
لم تكن الحملة الانتخابية للاستفتاء على مشروع الدستور بنفس وتيرة الحملات الانتخابية السابقة، وفق المتابعين للشأن السياسي والانتخابي الذين لاحظوا قلة الاجتماعات الشعبية وضعف الدعاية عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. وأرجع هذا الضعف إلى مقاطعة كبرى من الأحزاب السياسية القادرة على التعبئة في هذه الحملة مثل “حركة النهضة” و”الدستوري الحر” واقتصار المشاركة على أحزاب صغيرة، مما جعل “حملة الدعاية متعثرة وفاترة وضعيفة” وفق تقديرهم.
وقال المدير التنفيذي لمرصد “شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية”، الناصر الهرابي، في تصريح إعلامي إن “سبب ضعف متابعة الحملة هو أنها تتزامن مع العطلة الصيفية، بالإضافة إلى حالة الانقسام في الاراء بما جعل الحملة بطيئة وغير عادية مقارنة بالمنافسة الشديدة التي تعودناها في الانتخابات السابقة، حيث كانت الأحزاب تنزل بثقلها خلال الحملة منذ إنطلاقها”.وبالنسبة للتغطية الإعلامية للحملة، فهي بدورها لم تكن بالنسق المعتاد، حيث لاحظ رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري النوري اللجمي “ضعف الحماس بالنسبة للقنوات التلفزية في تغطية حملة الاستفتاء مقارنة بتغطية بقية الاستحقاقات الانتخابية، باستثناء القناة الوطنية الاولى العمومية وقناة حنبعل الخاصة.كما بينت الهيئة في تقرير حول عملية رصد التغطية الإعلامية في بداية الحملة ، أن التغطية لم تكن متوازنة وأن جل المعلقين القارين في البرامج الحوارية الإذاعية لم يلتزموا بمبدأ الحياد والموضوعية ، حيث انحاز عدد منهم بصفة مباشرة وواضحة إلى موقف المساندين لمشروع الدستور في حين انحاز عدد آخر للرافضين له.
مخالفات انتخابية واتهام هيئة الانتخابات بالتراخي وعدم الحياد
تم خلال الحملة تسجيل العديد من المخالفات الانتخابية واتهام الهيئة العليا للانتخابات “بالتراخي في التعاطي معها وعدم الحياد وخدمة مشروع الرئيس” إضافة إلى “الفشل على عدة مستويات” وأهمها التسجيل الآلي في السجل الانتخابي وتحيين مراكز الاقتراع.وقدم الحزب الدستوري الحر، شكوى بهيئة الانتخابات لإيقاف “المسار الاستفتائي”، متحدثا عن “وجود جملة من الخروقات في هذا المسار في ظل غياب احترام القانون الانتخابي”، ووجود “تمويلات مشبوهة في حملات عدد من الجمعيات والأشخاص المساندين للدستور مجهولة المصادر”. وتقدمت منظمة “أنا يقظ” بشكاية جزائية ضد رئيس الجمهورية وهيئة الانتخابات في شخص رئيسها وممثلها القانوني تتعلق “بخرق أحكام قانون الانتخابات والاستفتاء والفساد الإداري”.وفي تعليقه على الاتهامات بعدم الحياد ودعم مشروع الرئيس سعيد، قال رئيس الهيئة فاروق بو عسكر “إن أداء الهيئة يوم الاستفتاء هو الذي سيحكم على حيادها من عدمه”، موجها الدعوة إلى جميع المنظمات الوطنية والأجنبية لإيفاد ملاحظين بمختلف مراكز ومكاتب الاقتراع. وقال إن “أهم عناصر النزاهة والشفافية للاستفتاء هي أن يكون مسار هذا الاستفتاء تحت أنظار الجميع على غرار الصحفيين والملاحظين المحليين والأجانب وممثلي الأطراف المشاركة في الاستفتاء سواء كانت حزبية أو جمعيات مدنية أو أفراد.
ونددت شبكة مراقبون بما وصفته “بتراخي هيئة الانتخابات وعدم تدخّلها لوضع حدّ للتجاوزات المتعلقة بوجود مجموعة من المعلقات الاشهارية الداعمة لحملة “نعم” مركزة بالأماكن العمومية والخاصة وتعتمد أساليب وتقنيات التسويق التجاري.وتتمثل المخالفات الانتخابية المسجلة بالخصوص في استعمال علم وشعار الجمهورية في معلقات الاستفتاء، كما تلقت الهيئة شكايات في عدم حياد الإدارة.وأفاد بوعسكر في هذا الصدد أن الهيئة تتعامل بشكل يومي وروتيني مع مثل هذه التجاوزات، وأن الهيئات الفرعية “توجه تنبيها لكل من يخرق القانون، وفي صورة عدم الاستجابة وخلال 48 ساعة، تُلزم السلط المحلية والنيابة العمومية بتطبيق توصياتها في صورة تواصل هذه التجاوزات
من جهة اخرى اعتبرت شبكة مراقبون أن هيئة الانتخابات فشلت في عملية التسجيل الآلي وتحيين مراكز الاقتراع ” لأن المنهجية التي اعتمدتها لا ترتكز على معايير واضحة تضمن للناخبين التسجيل في أقرب مركز لمقر سكناهم، منبهة إلى أن هذا الوضع يمكن أن يتسبب في حدوث فوضى في المراكز وإرباك العملية الانتخابية. و أعلنت هيئة الانتخابات تسجيل 9 ملايين و296 ألف ناخب وناخبة للمشاركة في الاستفتاء. وينطلق الاستفتاء داخل تونس الساعة السادسة من صباح الإثنين 25 جويلية وحتى الساعة العاشرة ليلا ، أما خارج البلاد، فيجري الاستفتاء أيام 23 و24 و25 جويلية من الساعة الثامنة صباحا حتى السادسة مساء حسب توقيت دول إقامة الناخبين و سيتم الإعلان عن النتائج في 26 جويلية ، ثم يتم فتح باب الطعون والنظر فيها وبعدها تُعلن النتائج النهائية في أجل أقصاه 27 أوت القادم.
Post comments (0)