توصلت دراسة استقصائية أجريت أخيراً في المملكة المتحدة إلى أن أكثر من نصف جمهور الناخبين البريطانيين يشعرون بأن السياسيين يستخدمون الحروب الثقافية لصرف انتباههم عن القضايا “المهمة” الأخرى، وأن مصطلح Woke بات ينظر إليه بشكل متزايد على أنه إهانة.
وأشار البحث إلى أن نحو ثلثي (62 في المئة) الذين شملهم الاستطلاع ويبلغ عددهم 3716 شخصاً، قالوا إن السياسيين يلجأون إلى “اختراع حروب ثقافية أو المبالغة فيها”، في إطار تكتيك سياسي، مقارنةً بـ 44 في المئة كانوا يرون ذلك قبل ثلاثة أعوام.
ويعتقد شخص من كل 10 فقط (10 في المئة)، أن السياسيين الذين يناقشون الانقسامات حول القضايا الثقافية يعتقدون حقاً أن هذا موضوع مهم. فيما رأت غالبية الأفراد المستطلعة آراؤهم (56 في المئة) أن السياسيين يستخدمون هذه المناقشات لإلهائهم وتحويل انتباههم عن مواضيع حاسمة أخرى.
ووجد البحث الذي أجرته “جامعة كينغز كوليدج لندن” KCL ومؤسسة “إيبسوس المملكة المتحدة” Ipsos UK لاستطلاعات الرأي وأبحاث السوق، أن أهم القضايا قبيل الانتخابات لعامة المقبلة، التي قال الناس إنها ستؤثر في تصويتهم تشمل غلاء كلفة المعيشة، والتضخم، وأداء هيئة “الخدمات الصحية الوطنية” والرعاية الاجتماعية.
إلى ذلك، اعتبرت عمليات عبور المهاجرين “القنال الإنجليزي” إلى المملكة المتحدة طلباً للجوء، قضيةً مهمة في التصويت، في حين حلت مسألتا حقوق المتحولين جنسياً وحرية التعبير في أسفل قائمة الاهتمامات، بحيث قال واحد في المئة فقط من الذين شاركوا في البحث إن هذه القضايا ستحدد مصير تصويتهم.
ووجد البحث أيضاً أن هناك شعوراً متنامياً بأن الحروب الثقافية تمثل مشكلةً خطيرة بالنسبة إلى المجتمع والسياسة في المملكة المتحدة، بحيث عبر الآن 52 في المئة من الناس عن هذا الرأي.
تجدر الإشارة هنا إلى أنه غالباً ما أقحم أعضاء البرلمان من حزب “المحافظين” أنفسهم في ما تسمى الحروب الثقافية. فعلى سبيل المثال تعهدت وزيرة الداخلية سويلا برافرمان بالتصدي لمن سمتهم بـ “الووكيراتي Wokerati الذين يتناولون التوفو”، (أو الأفراد المهتمين بشكل مفرط بالعدالة الاجتماعية والقضايا التقدمية واللبيرالية). وأطلقت في سبتمبر (أيلول) الفائت تحقيقاً في نزاهة وحياد أجهزة الشرطة، معتبرةً أن “الناس يريدون عناصر شرطة للقيام بدوريات في الشوارع، لا الانخراط في مناقشات متعلقة بالضمائر التي تشير إلى النوع الاجتماعي للأفراد”.
وقالت السيدة برافرمان في مقابلة أجريت معها في وقت سابق من هذه السنة: إنه “لا مكان للنساء المتحولات جنسياً في أجنحة النساء في المستشفيات، أو في أي مساحة آمنة مخصصة للنساء البيولوجيات المحددات على أنهن إناث عند الولادة”.
رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك كرر من جانبه هذه التعليقات، خلال المؤتمر الأخير الذي عقده حزب “المحافظين”، قائلاً إنه “ينبغي علينا ألا نجبر على قبول حقيقة أن أي شخص يمكنه تحديد هويته كما يحلو له، فهذا غير ممكن، لأن الرجل هو رجل، والمرأة هي امرأة. وهذا هو المنطق السليم للأمور”.
ومن المثير للاهتمام أن مصطلحات مثل “استيقاظ” و”إلغاء الثقافة” Cancel Culture و”الحروب الثقافية” أصبحت شائعةً على نحو متزايد منذ عام 2020. لكن أربعةً من كل 10 أشخاص شملهم الاستطلاع الأخير، قالوا إنهم لا يعرفون معنى مصطلحات “استيقاظ”، أو “مكافحة الاستيقاظ” Anti-woke.
ويشير الاستطلاع إلى أن مصطلح “استيقاظ” – الذي يعرف بأنه الوعي التام بالمشكلات الاجتماعية كالعنصرية وعدم المساواة وحقوق “مجتمع الميم” LGBT+ بات عدد أكبر من الناس يعتبرون الآن أنه بمثابة إهانة.
وقال نحو 42 في المئة من الأفراد الذين استطلعت آراؤهم، إنهم سيعتبرون أن من المهين أن يوصفوا بأنهم “مستيقظون”، مقارنةً بـ 24 في المئة في عام 2020، وصنف ما يزيد بقليل على نسبة الربع الكلمة بأنها من قبيل المجاملة، وهي نسبة ظلت مستقرة نسبياً في تلك الفترة الزمنية.
وتبين من البحث أن الذكور كانوا أكثر عرضةً بمرتين من النساء للقول إنهم مناهضون لـ “الاستيقاظ”، في حين اعتبر نحو أربعة من كل 10 ناخبين من حزب “المحافظين” أنهم كذلك.
وقال البروفيسور بوبي دافي مدير معهد السياسات “جامعة كينغز كوليدج لندن”، إن سرعة وحجم تبني المملكة المتحدة لقضايا “الحرب الثقافية” وخطابها في وسائل الإعلام والسياسة لدينا، شكلا أحد الاتجاهات الرئيسة في الأعوام القليلة الماضية، وقد سارت هذه المسألة جنباً إلى جنب مع تحولات كبيرة في الوعي والرأي العام.
وأضاف: “مع ذلك، فإن الرأي العام يبتعد أيضاً عن استغلال الانقسامات المتعلقة بالهوية، وهو ما يؤشر إلى زيادة كبيرة في اعتقاد الناس بأن السياسيين يختلقون الحروب الثقافية، أو يبالغون في استغلالها في إطار التكتيك السياسي”.
ورأى البروفيسور دافي أن “الأدلة المتاحة تشير إلى أن هذه قد لا تكون استراتيجيةً فعالة بشكل ملحوظ للانتخابات، نظراً إلى أن أقليةً صغيرة فقط من الناس، تعتبر القضايا المتعلقة بالحرب الثقافية ذات أهمية في التأثير في بقرارها في التصويت”.
أما غيديون سكينر رئيس قسم الأبحاث السياسية في شركة “إيبسوس المملكة المتحدة” فأوضح أنه “فيما الارتباطات السلبية بكلمة “استيقاظ” آخذة في الارتفاع، إلا أن معظم الناس لا يعتبرون أنفسهم إما “مستيقظين” أو “مناهضين للاستيقاظ”.
وختم بالقول: “على رغم أن الناس يشعرون بقلق إزاء الانقسامات التي تثيرها الحروب الثقافية، يبدو أن المشكلة ستبقى قائمة ولن تتلاشى، ما يؤكد على مدى أهمية إيجاد طرق للتعامل مع الأفراد واحتضان وجهات النظر المختلفة، للحؤول دون استفحال هذه الانقسامات وترسخها في الأذهان”.
وكالات
Post comments (0)